الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
آية قرآنية أصل في حقوق الزوجين
ننتقل أيها الإخوة في رياض الصالحين إلى بابٍ جديد، هو الباب الخامس والثلاثون، وعنوان الباب: حق الزوج على المرأة، وكما هي عادة الإمام النووي مؤلِّفُ الكتاب ـ رحمه الله تعالى ـ حيث يبدأ الباب بآيةٍ قرآنية متعلقةٍ بأحاديث هذا الباب، قال الله تعالى:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾
( سورة النساء: الآية34 )
1- لا خيار للمؤمن أمام أمر الله ونهيه
الحقيقة أن الإنسان أمام كتاب الله جلّ وعلا، وأمام سنة رسول الله له موقف، هذا الموقف موقف التعبد، هذا أمر إلهي، أنت مخير في أمور الدنيا ؛ كمؤمن مخير أن تسكن في هذا البيت، أو في هذا البيت، أن تتزوج هذه المرأة أو تلك المرأة، أن تعمل عملاً حراً أو عملاً وظيفياً، لكنك كمؤمن صادق إذا كان هناك أمرٌ في القرآن فإنه:
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
( سورة الأحزاب: من الآية 35 )
إذا وُجد توجيه قرآني، حكم رباني، أو أمرٌ، أو نهي، في كتاب الله واضح الدلالة، قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، فأنت كمؤمن ليس لك خيار، فربنا سبحانه وتعالى هو الصانع، وهو الذي صمم نظام الزواج، هذا الزواج أو هذه الأُسرة لها نظام، من لوازم نظامها أنه لابد لها من قائد، والسؤال الآن: لماذا يعصي الناس ربهم ؟ والله هذا سؤال مهمٌّ، معظم الناس غارقون في المعصية، هناك توجيهات قرآنية، هناك توجيهات نبوية لا أحد يُقيم لها وزناً، أي ينساق وراء نزواته وشهواته، وساعةً يقوده الهوى، وساعةً تقوده المصلحة، وساعةً يقوده التقليد الأعمى، أما أن يتحرك الإنسان وفق أمر الله تماماً، أو ينتهي عما نهى الله عنه تماماً فهذا يحتاج إلى شيءٍ آخر.
الحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما دعا إلى الله في مكة بقي ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى معرفة الله، بعدئذٍ نزل التشريع، فكأن الطريقة المُثلى أن تعرف الآمر أولاً، ثم الأمر ثانياً، فإذا كان أمر الله بين يديك في الكتاب والسنة، ولم تعرف الآمر معرفةً كافية يسهُل عليك أن تخالف أمر الله عزّ وجل، يسهل عليك أن تعصيه، يسهُل عليك ألا تنتهي عما عنه نهاك، لأنه مجموعة أوامر في الكتاب والسنة، لكنك إذا عرفت من هو الله عزّ جل ماذا يعني أن تعصيه ؟ إذا عرفت ما عند الله من إكرام، ما عند الله من عقاب، إذا عرفت الله حق المعرفة، أي أن يُقَطع الجسم إِرباً إرباً أهون من أن تخالف أمر الله عزّ وجل.
2- لا بد للزواج أن يكون مبنيا على شرع الله
لذلك الزواج في الإسلام هو شيء رائع جداّ، لكن إذا كان الزواج في جو من عدم التطبيق من أمر الله عزّ وجل يغدو جحيماً، لأن الزوجة تبتغي حظ نفسها، والزوج يبتغي حظ نفسه، وكلاهما وقد تتصادم هذه الحظوظ، ومن تصادمها تأتي المشكلات يأتي الشقاق، والنفاق يأتي الخصومات، لذلك شيءٌ مهمٌ جداً أن تعرف من هو الآمر، كما قال سيدنا بلال: << لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت >>.
3- في الحياة ثوابت
في بالي مقدمة قبل أن أمضي في شرح هذه الأحاديث المتعلقة بحق الزوج على المرأة، هناك أشياء ثوابت في الحياة، فهذا الكون أليس كوناً عظيماً ؟ أي لو نظرت إلى المجرات لهالك هذا النظر لرأيت الأرض وما حولها من كواكب سيارة لا تعدو نقطةً في فراغ، فهذه المجرات التي تزيد على مَليون مليون مجرة، وفي كل مجرة ما يزيد على مليون مَليون نجم، والمسافات بين النجوم لا يعلمها إلا الله، وهي مسافاتٌ خيالية، هذا الكون بمجراته، بكازاراته، بمذنباته، هذا الكون بما فيه من آياتٌ دالةٍ على عظمة الله لمن سخره الله عزّ وجل ؟
أليس هناك آياتٌ في كتاب الله محكماتٌ تؤكد أن الله عزّ وجل سخر هذا الكون للإنسان ؟ بلا شك إطلاقاً وبكل تأكيد الكون مسخر للإنسان، والدليل:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
( سورة الجاثية: من الآية 13 )
4- ماذا عليك أن تقدمه مقابل تسخير الله الكون لك ؟
فإذا كان هذا الكون كله مسخرا لي كإنسان، ماذا يُطالِبُني الله عزّ وجل ؟ يجب أن يكون هناك مطالبة بقدر هذا التسخير، فإذا أعطينا إنساناً أعلى راتب في الدولة، معنى هذا أنه هناك مسؤوليات كبيرة أمامه، إذا أعطيناه ميزات كبيرة جداً، معنى هذا أن مقابل هذه الميزات مسؤوليات، هذه النقطة الدقيقة، أي أن هذا الكون كله بما فيه، فكم من أنواع الأشجار ؟ وكم من أنواع الأزهار ؟ وكم من أنواع الأطيار ؟ وكم من أنواع الأسماك ؟
هذا الجسد بما فيه من أجهزة، من عضلات، من قلب، من رئتين، بما حولك من بيئة، ومن ظروف، من سماء، من هواء، من ماء، من بحار، من نجوم، من أطيار، هذا الكون كله مسخرٌ للإنسان، ماذا يقتضي هذا التسخير ؟ أن تعبد الله عزّ وجل، إذاً: أنت مقابل هذا الكون العظيم مكلفٌ أن تعرفه معرفةً عظيمة، وهذه المعرفة العظيمة من لوازمها أن تطيعه طاعةً تامة، ومن نتائج هذه الطاعة التامة أن تسعد في الدنيا والآخرة، أي أن الهدف الأكبر من خلق السماوات والأرض، ومن خلق الإنسان هو أن يُسعدك في الدنيا والآخرة، هذا هو الهدف الأكبر، ولكن هذه السعادة لا متناهية، وهي تحتاج إلى عملٍ طيبٍ جداً منه وطاعةٌ وبذلٌ، هذا العمل الطيب يحتاج إلى معرفة طيبة، وهذه المعرفة الطيبة تحتاج إلى كون عظيم، هذا الكون العظيم هدفه أن تعرف الله من خلاله، هذه سلسلة ؛ كونٌ معجز، إذا تأملت فيه عرفت أن هناك إلهاً عظيماً لا حدود لعظمته، وأنه سخر لك هذا الكون لتعرفه ولتحبه، فإذا عرفته حق المعرفة أطعته حق الطاعة، إذا أطعته حق الطاعة سعدت بهذه الطاعة في الدنيا والآخرة.
لذلك عندما يمر معك أمرٌ، الآن أنت كزوج أو كزوجة إذا مر أمرٌ قرآني فالقضية خطيرةٌ جداً، هذا الأمر تنفيذٌ جزئيٌ لما يتوجب عليك تجاه خالق الكون الذي سخر لك الكون كله، هذه هي العقدة، فأنت تجد إنساناً لا يبالي بأمر الله عزّ وجل، الله هين عليه، وأمره هين، ومعصيته هينة، ومخالفة أمره هينة، وأن يخرق حدوده، فهذا شيءٌ سهلٌ بسيط، يقول لك: لا تدقق، ولا تعقدها، والله غفور رحيم، ونحن عبيد إحسان، ولسنا عبيد امتحان، والله عزّ وجل لا يضع عقله بعقلنا ويحاسبنا، فهذا كله كلام الجهلة، لكن ربنا عزّ وجل حينما خلق هذا الكون من أجلنا، فهو ينتظر منا أن نعرفه معرفةً صحيحة، وينتظر منا أن نشكره، فإذا عرفناه، وشكرناه فمن لوازم المعرفة والشكر الطاعة التامة، الطاعة التامة تنتهي بالسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة، من هنا جاء توجيه الله عزّ وجل:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
( سورة النساء: من الآية 34 )
5- قوامة الرجل على المرأة
أي أن هذه الأُسرة كسفينة ومركبة لها قائد واحد، لابد من أحد الطرفين أن يكون هو القائد، فربنا عزّ وجل قال:
﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
( سورة النساء: من الآية 34 )
لقد جعل الله عزّ وجل الرجل متكاملاً مع المرأة، فالرجل والمرأة متساويان في التكليف وفي التشريف، في التكليف ؛ أي كلاهما كُلِّف بمعرفة الله عزّ وجل، وفي طاعته، وفي التقرب منه، والرجل كالمرأة في التشريف، أما التكليف في بقية التكاليف فهما مختلفان كالجهاد والجمعات وغيرها.
﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ﴾
( سورة الأحزاب: من الآية 35 )
إلى آخر هذه الآيات، أي من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أُنثى فاستجاب لهم ربهم:
﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾
( سورة آل عمران: من الآية 195)
6- الرجل والمراة: أوجه التشابه والاختلاف
المرأة والرجل متساويان في التكليف وفي التشريف، لكن هناك بونٌ شاسعٌ بين بُنية المرأة وبُنية الرجل، المرأة لها بنيةٌ نفسية، ولها بنيةٌ جسدية، ولها بنيةٌ عقلية، تتناسب مع أعظم وظيفةٍ خلقها الله من أجلها وهي رعاية الأطفال، والرجل له بنيةٌ عقليةٌ خاصة، وله بنيةٌ نفسيةٌ خاصة، وله بنيةٌ جسميةٌ خاصة، تتناسب مع دوره في الأسرة لكسب الرزق، ولإدارة دفة هذه السفينة، ولاتخاذ القرار لبُعد الرؤية، إذاً: هناك تكامل، فربنا عزّ وجل اختار الرجل على علمٍ وعلى تصميمٍ دقيق ليكون هو قائد هذه الأسرة، إذاً:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
الرجل عقله يغلب عاطفته، الرجل بُعد نظره أشد من بُعد المرأة في النظر، المرأة تنظر إلى ما يحيط بها، تنظر إلى المظاهر بشكلٍ يلفت النظر، لكن الرجل ينظر إلى حقيقة الحياة، فلا تعنيه المظاهر بقدر ما تعنيه جوهر الحياة، وليس هذا انتقاصاً من المرأة، فالمرأة لها دور، والرجل له دور، ولكل منهما مكانة عند الله، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال للمرأة:
(( اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
[ ورد في الأثر ]
فوالله هناك امرأة صائمة قائمة مطيعة لزوجها تعدل ألف رجل، ألف بل عشرة آلاف، أو مئة ألف، فالقضية عند الله بالاستقامة والعمل:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
أي أن الرجل له القِوامة، وله الإدارة، وله الإشراف، وله القرار، وله القِيادة، إلا لو كان هو قد تخلى عن القيادة لزوجته مثلاً، تدخل هي على المحل قبله، وتتكلم، وهو يبقى ساكتا، هو لدفع الثمن، هناك حالات هو يتخلى عن دوره، وهذا بحث ثانٍ، أما ربنا عزّ وجل فقد صمم الأُسرة بنظام فقال:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
يروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه في إدارته لشؤون الرعية اتخذ قراراً من أحد الأشخاص، يبدو أن زوجته رضي الله عنها سألته في ساعة سرور أن هذا الرجل ما شأنه ؟ سؤال فقط، ولماذا فعلت معه هكذا ؟ وهي لم تتدخل في شؤونه، ولم تطلب منه توقيف هذا القرار، ولم تطلب منه اتخاذ قرار آخر، ولم تطلب العفو عنه أبداً، بل إنما سألته: ما شأن هذا الرجل ؟ فما كان منه رضي الله عنه إلا أن قال لها: << يا أمة السوء، وما شأنك أنت بهذا ؟ >>، وما علاقتك أنت بهذا الأمر، خليفة المسلمين يسمح لامرأة أن تتدخل بشؤونه ؟ امرأة على العين والرأس، ولها مكانةٌ عظيمةٌ جداً عند الله، لكن في دائرة اختصاصها، لذلك: " رحم الله عبداً عرف حده، فوقف عنده، ولم يتعد طوره ".
إذاً:
﴿ فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
هنا بمعنى أن الله آتى الرجل قوةً في العضلات، قوةً في الجسم، وآتاه قوةً في العقل، وآتاه قوةً في العقل على حساب العاطفة، لأن بعض المواقف يقتضي القسوة أحياناً، بعض المواقف تقتضي الجُرأة، المرأة بحكم عاطفتها الغالبة قد لا تستطيع أن تقف موقفاً متيناً من قضية مُعينة.
7- التعليل القرآني لقوامة الرجل على المرأة
الآن:
﴿ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
ربنا عزّ وجل ذكر تعليلين.
أول تعليل:
﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾
والتعليل الثاني: بما أنفقوا من أموالهم.
9- من صفات المرأة الصالحة
الآن:
﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾
( سورة النساء: الآية 34 )
أي طائعات، هذه المرأة الطائعة حافظةٌ للغيب، أي تحفظ نفسها في غيبة زوجها، تحفظ نفسها وماله، أي أن أعلى صفة في المرأة أنها إذا غِبت عنها حفظتك في نفسها وفي مالك، في نفسها أي لا تسمح لأحدٍ أن ينظر إليها، ولا أن يكلمها كلمةً:
﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ﴾
( سورة الأحزاب: من الآية 32 )
هناك نساء في غيبة أزواجهن يفتحن الباب لإنسان طرق الباب، ويحدثن هكذا بطلاقة، ولا يتحفظن باللباس أمامه، يفتحن الباب على مصراعيه باستهتار، فهذه لم تحفظ نفسها، وهذه كأنها تدعوا الناس إليها، وهذه كأنها على وشك أن تخون زوجها، لكن المرأة المؤمنة:
﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾
لذلك في المغرب عادات طيبة جداً، إذا طُرِق الباب فتعيد الطرق على الباب من الداخل، أي نحن هنا فتكلم ما تريد، أما أهلاً وسهلاً، تفضل الآن سيأتي، ارتح، وادخل لنقدّم لك فنجان قهوة، هذه ليست مسلمة، فالمرأة المسلمة تحفظ نفسها في غيبة زوجها، لذلك عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(( إِنَّ عِنْدِي امْرَأَةً هِيَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَهِيَ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ، قَالَ: طَلِّقْهَا... ))
[ النسائي ]
هذه المرأة التي لا تحفظ نفسها في غيبة زوجها لا تُؤتَمن، وهناك مفهوم عند النساء خاطئ، أنها شريفة، ولا أحد أن يستطيع أن يكلمها، ولا أحد يستطيع أن يتطاول معها، لكنها تظهر هكذا على الشُرفات من غير احتياط، ومن غير تستر، هذه التي تُبرز مفاتنها للناس ليست شريفة بالتأكيد، هذه التي تعرض مفاتنها على الناس باستهتار هذه ليست مسلمة، وإن صلت، وصامت، وزعمت أنها مسلمة، فالمرأة المسلمة:
﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾
أي تحفظ نفسها في حضرة زوجها، وفي غيبة زوجها، وتحفظ ماله، أي أن البخل في هذا الموطن من صفات المرأة الفاضلة، لأن هذا المال مال زوجها هو الذي ينفق:
﴿ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾
هذه المودة بين الزوجين، لذلك الوصية المرأة الثابتة لابنتها: " يا بنيتي، خذي عني عشر خِصال تكن لك ذخراً وأجراً، الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتفقد لموضع عينه، والتعهد لموضع أنفه ؛ فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والتعهد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه ؛ فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مبغضة، وإياك والفرح إن كان تَرِحاً، والترح إن كان فرحاً، فإن الأُولى من التقصير، والثانية من التكدير، ولا تعصي له أمراً، ولا تُفشي له سراً، إنك إن عصيت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره..." إلى آخر الوصية.
المرأة:
﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾
( سورة النساء: من الآية 34 )
هذا معنى الآية الكريمة:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
فإذا هو كان أقل منها وراًع، وأقل منها علماً، وأقل منها بُعد نظر، ولم ينفق من ماله عليها شيئا، والله هي القوَّامة عليه، فإذا كان هو أعلى منها في الورع والعلم والتُقى والصلاح وأنفق من ماله عليها ملك القِوامة، فإن لم يفعل كانت هي التي تنفذ أمرها، وهو لا يحير جواباً.
آحاديث نبوية في حقوق الزوجين
أول حق للزوج على المرأة كما قال عليه الصلاة والسلام:
الحديث الأول:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ))
[ متفق عليه ]
هذا الحديث متفقٌ عليه أي رواة البخاري ومسلم، والحديث واضح، وفي روايةٍ للبخاري ومسلم أنه:
(( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ))
أي أن الزواج أساسه هذا اللقاء بين الزوجين، فإذا ابتعدت عن زوجها، وهجرت فراشه لعنتها الملائكة حتى تصبح طوال الليل ز
يتفرع من هذا الحق أنه لا يحل لامرأةٍ أن تصوم وزوجها شاهد، طبعاً صيام النفل، أما صيام الفرض فلا تستأذنه، صيام الفرض لا يحتاج إلى إذنٍ قط لأنه:
(( لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزّوجَلَّ ))
[أحمد عن ابن مسعود]
مهما يكن هذا المخلوق، كأب يقول لابنه: برضاي عليك طلقها، ما هذا ؟ تطليقها ظلم، فهي زوجةٌ فاضلة، أي رضا هذا ؟
(( لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزّوجَلَّ ))
حيث ما كان الأمر مخالفاً لأمر الله عندئذٍ الرضا والغضب يستويان.
الحديث الثاني:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ ))
[ متفق عليه ]
ما معنى شاهد ؟ أي مقيم في البيت، أما لو أنه مسافر فلها الحق أن تصوم صيام النفل من دون إذنه، أما إذا كان شاهداً أي مقيماً فإنه سوف يجيء الظهر إلى البيت.
(( وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ ))
أي أن تأذن لرجلٍ أو امرأة بدخول البيت من دون إذنه فهذا لا يجوز، دخول الأشخاص إلى البيت يحتاج إلى إذن الزوج، لو فرضنا الزوج أعطى تعليمات: لا أسمح لكِ أن يدخل بيتي ابن عمك، هذا طبعاً لا يجوز بغيابه، فتدخله وتقول: والله جاء من سفر فاستحييت منه، فهذا كلام فارغ هذا، هذا البيت له قيادة، والقيادة بيد الزوج فإذا منعها من مخالفة أمر الله عزّ وجل يجب أن تمتنع، وإذا منعها من ألا تخالف أمر الله عزَّ وجل يجب أن تمتنع.
الحديث الثالث:
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ ))
[ سنن الترمذي، وقال حديثٌ حسن ]
أي أن زوجها المؤمن راضٍ عنها، أي أنها تقوم بحقه قياماً تاماً ؛ ترعى أولادها، وترعى حقوقه، وترعى حاجاته، إذاً وفرت لهذا الزوج الطمأنينة، وفرت له راحة البال، وفرت له الراحة النفسية، جعلته ينطلق في عمله، جعلته ينتج، جعلته عضواً نافعاً في المجتمع، أما هذا الإنسان القلق في بيته فطوال الليل مشاحنات وبغضاء، هذا إذا انطلق إلى عمله لا ينتج، لأنه شارد البال، فهذه المرأة التي توفِّر لزوجها الراحةً النفسية وطمأنينة فهذه امرأة شريكته في الأجر، يقولون: " ما من عظيم إلا وراءه امرأة "، لكن امرأة صالحة، وهذا الكلام له معنى مقبول، أن الإنسان عندما انطلق في العمل الصالح، وعندما انطلق في خدمة المجتمع معنى ذلك أن باله مرتاح، قال الله عزّ وجل:
﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾
( سورة محمد )
من وفر له هذه الراحة ؟ أنا عندما أقرأ كتاباً أعجب، لأنّ أكثر الكتب يهدي المؤلفون الكتاب إلى زوجاتهم، والله معهم حق، فقد يكتب: إلى التي وفرت لي هذا الجو، وهو جو التأليف، إلى التي وفرت لي هذا العمل العلمي الهادئ، وإذا كان طول النهار في مشاكسات بينه وبينها فلا يوجد تأليف، يتوقف التأليف، يجب أن يكون هناك هدوء، وراحة بال، ومسالمة، وموادعة، وشعور متبادل بمعرفة قدر الآخر، فهذا الذي يقوله عليه الصلاة والسلام:
((أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ ))
المشكلة هي إذا أرادت المرأة أن ترضي ربها بخدمة زوجها، وإذا أراد الرجل أن يرضي ربه بخدمة زوجته، هذا هو الوضع الأمثل، أي أنه حينما تُعامل إنساناً لذاته قد لا يستحق، هناك أزواج لا يستحقون معاملة طيبة، وهناك زوجات لا تستحق إحداهن المعاملة الطيبة، فإذا أراد الزوج أن يعاملها على عملها، أو أرادت هي أن تعامله على عمله وقع الخصام والشقاق، لكن إذا أراد الزوج أن يتقرَّب إلى الله بالإحسان إليها، وإذا أرادت هي أن تتقرب إلى الله بالإحسان إليه، نشأت السعادة الزوجية، لذلك أي زواجٍ يبنى على طاعة الله يتولى الله التوفيق بين الزوجين.
بالمناسبة، وهذه كلمة عابرة قد لا تكون لها علاقةٌ متينةٌ بالدرس، لكن أحب أن أقولها، غض البصر من قِبل الزوج ومن قِبل الزوجة له دورٌ كبير في التفاهم الزوجي، لأن عندما يرى الله عزّ وجل هذا المؤمن يغض بصره عن الحسناوات في الطريق خوفاً من الله عزّ وجل، فأول مكافأة له أنه يوفِّق بينه وبين زوجته، تجد أن هذا الزوج يحب زوجته، وهي كذلك، فغض البصر من قِبل الزوج ومن قِبل الزوجة له دور في توفير السعادة الزوجية، وهذا الشيء مهم جداً، لأن ربنا عزّ وجل يقول:
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
(سورة النور)
أي إذا ظننت أيها الرجل أنك إذا نظرت إلى المرأة الأجنبية، وتمليت من محاسنها هو أزكى لك، فأنت مُخطئ، خالقك مربيك، ومسيّرك يقول لك:
﴿ ذّلِكَ أَزْكَ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾
أي أكثر راحةً لك، والمكافأة سريعة في نفس اليوم، أحياناً تكون المكافأة بعد شهر، المكافأة في نفس اليوم، حيث أن كلما بالغت في غض البصر وجدت في البيت السعادة الزوجية، والحقيقة أن السعادة الزوجية شيء مهم جداً، فإذا كان الإنسان مرتاحاً في بيته فإنه يمكن أن ينطلق في عمله ويُبدع، أما إذا كان في بيته معذبا، وفي بيته نكد ومشاحنة انعكس ذلك سلبًا على حياته العملية، فمن الحكمة البالغة أن الإنسان يحسن معاملة زوجته، قال ربنا عزّ وجل:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
( سورة النساء: من الآية 19 )
الحديث الرابع:
أمر إلهي، الله عزّ وجل يأمرك أن تعاشرها بالمعروف، واستوصانا بالنساء خيراً، استوصانا بالضعيفين المرأة واليتيم، استوصانا بالنساء، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( خَيْرُكُمْ خَيرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ))
[سنن الترمذي ]
(( ما أكرمهن إلا كريم، ما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كلَّ كريم، يغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً، لا أن أكون لئيماً غالباً ))
[ ورد في الأثر ]
فلذلك المؤمن ينبغي أن يفعل ذلك.
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ))
واللهِ من بعض السنوات كنت حاضراً في تعزية في حي الميدان، وبحسب معلوماتي أن الزوجة توفيت عن ثمانين عاماً، والزوج عمره خمس وتسعون سنة، فوجدته يبكي بكاء مراً، في هذا السن يبكي، وعندما انتهت التعزية بدأ الحاضرون يواسونه فقال: "ولم لا أبكي ؟ والله عشت معها خمسة وأربعين عاماً ما نمت ليلةٌ واحدة وأنا غاضبٌ عليها ".
يقول لك رجل آخر: " والله لا يوجد يوم انبسطت معها "، حتى اتفق أحدهم مع زوجته فقال لها: يوم للخصام ويوم للراحة، في يوم الراحة قالت له: غداً الخصومة، فحضر نفسك.
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ ))
الحديث الخامس:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ))
[مسند أحمد ]
أي أن طاعة الزوج ربع دينها.
الحديث السادس:
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ، يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا ))
[ سنن الترمذي ]
لا يجوز إغاظة الزوجة
(( لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا ))
سبحان الله ! أنا أعجب أشد العجب كيف أن زوجاً أحياناً يتمنى أن يغيظ زوجته ؟ ينطلق بشكل واضح ومركز كي يغيظها، وكيف أن امرأةً تفكر في أن تغيظ زوجها ؟ هذا الوضع مَرَضي، لأنه خلاف الآية الكريمة:
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
( سورة الروم: من الآية 21)
انظر إلى تصميم ربنا عزّ وجل، التصميم أن تسكن إليها، وأن تكون بينك وبينها المودة والرحمة، هذا تصميم ربنا، ما الذي يحدث ؟ تريد أن تغيظه ؛ يوم الجمعة الغسيل بأصعب وضع، مع توجيهات أن ضايقيه، هذا منتهى الحمق، ومنتهى الغباء، ومنتهى البعد عن الله عزّ وجل، لا يصح لامرأة أن تغيظ زوجها، ولا يصح لزوجٍ أن يغيظ زوجته، يقع خصام، ويقع سوء تفاهم، هذا شيء طبيعي، لكن لا ينطلق الإنسان من خلاف عفوي إلى خلاف مقصود، لا ينطلق من خلاف عفوي إلى خلاف مُركز.
نصيحتان غاليتان للمتزوجين
النصيحة الأولى:
والنصيحة التي أُقدِّمها لكل أخ، طبعاً لا يوجد زوجين من غير مشكلة إطلاقاً، هذا كلام غير واقعي، فهذه النفس غير هذه النفس، لها طلب، وهذا الطلب هو لم يوافق عليه، فصارت المشاحنة، أي أن هذا الشيء لابد منه.
فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:
(( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ، فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ))
ومرة كسرت صحناً، جاءها طعامٌ من عند ضرتِها فكسرت الصحن، والنبي عليه الصلاة والسلام عاتبها.
وسيدنا عمر جاءه شخص يشكو امرأته فسمع صياحاً فرجع، فسمع صوت طرق الباب، ذهب فرأى شخصاً راجعاً، فناداه، وقال له: <<تعال، لماذا جئتني ؟ فقال له: جئتك أشكو مما أنت منه تشكو >>.
هذا شيء طبيعي، ولكن الإنسان لا ينطلق من إغاظة الزوجة، فهذا لا يجوز، وهي بالمقابل لا تنطلق من إغاظة زوجها فتكون قد خالفت الآية الكريمة، خالفت نص القرآن الكريم.
النصيحة الثانية:
﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾
تكون عندك فتنشأ مشكلة، أول كلمة يطردها إلى بيت أهلها، وفي بيت أهلها تغذية، هناك خالتها وعمتها، وابنة خالتها وأختها الصغيرة، وأختها الكبيرة، فيقولون لها: ماذا تريدين منه، وأنت تستحقين أحسن منه ؟ كان الأمر بسيطاً جداً، ويحل في يوم أو يومين، الآن وصل الأمر إلى الطلاق، وعندما لا يخبرونه بعد جمعة أو جمعتين يمتلئ من الغيظ، وهي أيضاً تمتلئ من الغيظ لأنه لم يخبرها، وهذه حلقة مُفرغة ومضحكة، هي تنتظر أن يتصل بها، وهو ينتظر أن تتصل به، وكل واحد منهما ركبه الشيطان، وأخذ منه كل مأخذ، وابتعد عن الآخر، أليس الأحسن أن تبقيها عندك في البيت وثاني يوم تتصالحون ؟ وأنا أعني ما أقول بالضبط، أن أكبر مشكلة بين الزوجين تنتهي بعد أيام نهاية طبيعية إذا بقيت الزوجةُ في بيت زوجها، وأصغر مشكلة بين زوجين قد تنتهي بالطلاق إذا خرجت من بيت زوجها، فالأب العاقل لا يستقبل ابنته وهي غضبى، بنفس الليلة يحل الموضوع، يرجعها إلى بيت زوجها ويصالحهم، ولا يطمعها، يقول لها: صدر البيت لكِ، كلي واركلي السفرة برجلك، هذا الكلام كله سخيف، أنا سمعت أن السلف الصالح إذا كانت ابنته غاضبة من زوجها، فيتفق مع الأم ؛ اليوم تعزلي البيت، وغداً تعملي مجدرة، وثاني يوم نعمل لك مشكلة، حتى تجد هذه الابنة أن بيت زوجها أفضل من بيت أهلها، فهناك آباء عقلاء جداً، إذا رأوا أن البنت حردت، ويوجد خِصام فيريها معاملة قاسية، ويريها اشمئزازاً، ويريها الخشونة في المعيشة، وأعمال مُرهقة، وخصام مُفتعل، وتمثلية بالخِصام، كي تكره الابنة أن تأتي إلى بيت أهلها، وهذه هي الحكمة.
وهناك آباء يطمِّعون بناتهم، يقولون لها: ماذا تريدين منه اتركيه، غيظيه، هكذا حتى يقع الطلاق، وبعدها تقع المشكلة، فهذا كله من معاناة المجتمع المسلم، وهناك جهل كبير جداً.
أحياناً تجد أماً لا ترضى إلا وأن تبقى مسيطرة على ابنتها بعد الزواج، تجعل حياة ابنتها جحيماً بيدها، هذه أُم ؟ لذلك: عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا الْفُقَرَاءُ، إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، إِلَّا أَهْلَ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ ))
[ أحمد ]
يجب أن يأخذ الرجل احتياطاً، الحقُ هو أن تقف على الحق تماماً، إذاً:
((لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ: لا تُؤْذِيهِ، قَاتَلَكِ اللَّهُ، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ، يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا ))
ألم يقل أحد الصحابة عندما طلبت منه زوجته ما فوق طاقته، قال لها: << اعلمي يا أمة الله، أن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الدنيا لغلب ضوء وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أُضحي بكِ من أجلهن أهون من أن أُضحي بهن من أجلكِ >>.
هذه المرأة يجب أن تعرف حجمها وحدها.
وعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ))
[صحيح مسلم ]
أي أن المرأة أكبر مأخذ للشيطان، وإن إبليس طلاعٌ رصاد.
وما هو من فخوخه ـ عنده شباك كثيرة، فخوخ جمع فخ ـ وما هو من فخوخه بأوثق لصيده في الرجال من النساء ".
إن أضخم فخ عنده للرجال النساء، فليتقِ الله الإنسان، وليبتعد عن مواطن الشُبُهات.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موسوعة النابلسي